صورة الغرب في وعينا وذهننا تساوي الاستعمار، وعبارة "فرِّق تسد.. لتحكم وتتحكم" منتج غربي، وفي التاريخ الحديث نقرأ "من جاكرتا إلى طنجا.. بلاد مستعمَرة من بلاد الغرب: من هولندا إلى فرنسا وبريطانيا".
بلاد وشعوب أسيء إليها وإلى ثقافاتها ودياناتها ومقدساتها، وفي مقولاتنا الشعبية "لا يأتي من الغرب ما يسرّ القلب".. أيضاً، مقولات فكرية في العلوم الإنسانية نبعت من الغرب: الأنا والآخر، الثقافات المحلية والأقليات، التمييز العرقي والديني والاستعباد.. وصدام الحضارات، والليبرالية بوجهيها القديم والحديث، كنهاية للتفكير الإنساني، وإغلاق العقل على فلسفة نهاية التاريخ والإنسان الأخير.
أكبر الأمم والحضارات عانت طويلاً من كيد واستعمار البريطانيين؛ من الصين إلى الهند ومصر وإيران والعراق.. وأقسى ما تفتّق عنه العقل الإنكليزي مأساة ونكبة فلسطين المستدامة.. أُحضر الصهاينة من أقاليم العالم السبع لكي يوطَّنوا في أرض ليست لهم ويشرَّد الشعب الفلسطيني، وليصبح الصراع كناية عن: الكيان الصهيوني المحمول الغربي، ضد العرب والمسلمين والمسيحيين في الشرق.
في الثقافة الدينية، الفقهية تحديداً، عمل الغرب خصوصاً بريطانيا، على إيجاد عقل فتنوي يكفّر كل ما عداه من المسلمين، وأمدّوه بكل أسباب القوة وعناصر البقاء.. هذا الفكر الذي وجد محمولاته التكفيرية في تطرُّف قل نظيره في الإسلام، إنه الدعوة "السلفية الوهابية" التي تكفّر المذاهب الإسلامية كافة، وتقدّم نموذجاً متخلفاً عن صورة الإسلام والوحدة الإسلامية في الأصول ومعظم الفروع.
بريطانيا استخدمت هذه الفئة التكفيرية في حرب الإنكليز ضد العثمانيين والمصريين أيام محمد علي باشا، والتاريخ يؤكد العلاقة المتينة بين بريطانيا و"الوهابيين" ومن تبعهم في السياسة والاجتماع و"الدين"..
لا أحد يناقش في حقيقة أن عقل "القاعدة" وأخواتها منشأه "السلفية الوهابية"، بدعم وتغطية أولية من الولايات المتحدة والغرب. استُخدمت "القاعدة" في مواجهة الاتحاد السوفياتي "الكافر"، واليوم تحارب الغرب "الكافر".. تحالف في البداية وعداوة متأخرة. "جبهة النصرة" لصاحبها الجولاني كانت تُستخدم لمحاربة النظام في سورية، لأن الغرب وأميركا يريدون إسقاط النظام في سورية، وكذا يريد أتباع ابن عبد الوهاب.
"داعش" صناعة "وهابية قاعدية تكفيرية" تُستخدم لنشر القتل والدمار والمجازر، وتشويه الإسلام بكل الصور السلبية الممكنة. هذا الفكر المنتج "وهابياً" وغربياً أضحى غولاً من الناحيتين الإعلامية والسياسية، وتهديداً حقيقياً لوحدة المسلمين في القضايا المصيرية الأساسية.
التكفير منتج غربي استشراقي.. كيف لأميركا أن تطبّق سياسة شرق أوسط جديد يقوم على تمزيق الأوطان العربية والإسلامية؟ كيف يستطيع الغرب أن يحوّل هذه الأمة إلى قبائل ومذاهب متقاتلة من دون هذه الظواهر، ومساعدتها وتمكينها حتى تنشر كل أنواع الفساد والإرهاب؟ وتأتي أميركا لتقول إنها تريد أن تشكّل تحالفاً لإضعاف "داعش" الإرهابية، ويهرع كل المرعوبين ليطلبوا النجدة من القوة العظمى وتقول لهم: هذا الأمر يحتاج إلى سنوات، فاجمعوا أموالكم وكل فسادكم لنواجه كل أنواع الإرهاب.
يخرج رئيس وزراء الكيان الغاصب مع بعض الحكام العرب ليقول إنه "خائف من الإرهاب"! عجباً، كل هؤلاء الذين زرعوا بذور الإرهاب أصبحوا يخافونه! الدسائس الغربية (عبر الاستشراق) و"الوهابية" والكيان الصهيوني و"القاعدة" وأخواتها، وعلى رأسها تنظيم "داعش"، كلها عملات من بنك واحد برسومها وأثمانها وبضاعتها ونتائجها في السوق.. "شارلي إيبدو" واحدة من هذه العملات الفرنسية الغربية التي أرادت أن تنافس في سوق البورصة الحاقدة على المسلمين. مجرمون اقتتلوا، كل يريد الجائزة، والكل سار في جنازاتهم، من شارلي إلى البغدادي والجولاني ونتنياهو وغليون، وكل نيرانهم من نفس النفط ومنتجيه..
الغرب يزرع الحرب في كل مكان من ديارنا، والمقصود واحد: فلسطين، لكننا نملك روح المقاومة وعقيدة الوحدة.. المقاومة توحّدنا بانتصاراتها وثقافتها في وجه الإرهاب والتكفير والاغتصاب الصهيوني. لقد تعب الغرب إلى الحد الذي لا يستطيع معه التغلب على المقاومين، وشعوبنا اختبرت كل الأضاليل والخداع والفتن، وكما يقول المثل العربي: طابخ السم آكله، ومن يزرع الفتنة تأكله.